بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد:
فهذه فائدة جليلة:
كتبتها من فترة، وكان آخر تعديل فيها مساء الجمعة، 27 رجب، 1428هـ، ثم عدّلت فيها بعض الشيء، إليكموها
تنبيه:
هذه المقالة مرتبطة بفئة من الناس أكثر من غيرهم، والطابع الغالب عليها هو نقد الوضع في بلدي... ثم نقد وضع بعض طلاب العلم... وليست عامة في الدول التي ينتج طلابها المتخصصون في غير الشريعة
أخي الكريم –حفظك الله-، قد يكون الشخص عالما بأشياء تكفيه لإنجاز أمور مهمة وهو لا يدري ذلك؛ ولذا عليك –دائما– بتجربة ما عندك لترى ما سيحدث، لأنك في أثناء التجربة تكشف بإذن الله أموراً عجيبة.
وأحيانا قد تكون ملمّاً بالأمور وعارفا بها ولكنك ينقصك الترتيب فقط، والحل في ذلك أن تفكر، فتفكّر، وتفكر، وترسم أمامك 100 سؤال وجواب، حتى تصل إلى الحل الأمثل بإذن الله العلاّم.
ولا تنتظر أن يجرّب الناس الأمور ثم يأتوك بثمارها، فيذهبوا بالأجور كلها، ويحوزوا شرف التقدم دونك، لأن العلم غير الشرعي كله مبني على التجربة.
ولعلك تقول: كيف أدخل في فن ليس عندي مبادئه وليس لي فيه مدرّس؟!
وحينئذ أجيبك بسؤال وأقول: إذا كان ذلك مستحيلا، فمن الذي علّم الشخص الأول الذي ألف في كل فن: الطائرة، من الذي علم الشخص الأول الذي حاول الطيران؟ السيارة وما في أشكالها، من الذي علّم الشخص الأول الذي حاول فيها؟ وهكذا.
ولتقريب المسألة أمامك، أقول: ليس بلازم أن تتعلم فنًّا معيَّنا من شخص معيَّن، ولكن اشتر الكتب وخض فيها، واسأل عما أشكل عليك، فإن لم تجد جوابا، فخض وغص في لجة التجربة، واكشف الأمور بنفسك بدلاً من كثرة السؤال.
نعم، المدرّس يختصر لك الطريق، ويقرّب لك المعلومات بإذن الله تعالى، ولكن ليس بضروري في كل حال.
فإني في أثناء عملي على هذه النسخة قد كشفت أشياء كثيرة قد سألت عن بعضها ولم أجد لها جوابا، وأشياء قد سأل عنها غيري ولم يجدوا لها جوابا –حسَب علمي-،وأشياء لم تخطر على بالي.
وأحيانا أجد نفسي أمام خطإ غير مقصود، وهذا الخطأ يؤدي إلى نتيجة، فأقول في نفسي: لم أكن أقصد هذا الشيء، ولكنه طريقة جيدة لعمل كذا وكذا...
ألم يحصل لك مثل ذلك ولو مرة واحدة؟.
ولعلك تقول: إذا أخذتَ المعلومات من الكتب، فكيف تدّعى أنت أن العلم غير الشرعي بالتجربة، وقد كان اعتمادك على الله ثم على كتب الناس؟
فأجيب حينئذ بأن هذا القدر الذي ليس بمحض التجربة وإنما هو جزء من التجربة قد تركه كثير من الناس، وقعدوا منتظرين أن يتعلّموا كل شيء من مدرّس، حتى برنامج "وورد" Word المعروف بسهولته؛ لأن كثيراً من هؤلاء يستخدم أحاديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غير مواضعها، كما يستدل بعضهم بآيات لم يفهموها على تبرير غفلتهم وقعودهم عن التطوّر.
وإليك تفصيل ذلك:
1- أما الحديث الذي يستدلون به على استحالة تعلم العلوم غير الشرعية إلا من مدرّس، فهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما العلم بالتعلّم»، ونزّلوا هذا الحديث على جميع أنواع العلوم للعموم، ولم يرجع أكثرهم إلى أقوال العلماء في المراد بالعلم هنا!
ولعلك تتعجب حينما أقول لك إن المراد بالعلم الذي لا يُحصَل عليه إلا من معلم هو العلم الشرعي (أعني علم الوحي، وهذه مسألة مفروغ منها)، ولا يدخل في ذلك العلمُ الدنيويُ الذي ليس بعلم يكون المرجع فيه هو الكتاب والسنة.
قال الحافظ ابن حجر (رحمه الله تعالى): «قَوله: "وإِنّما العلم بِالتّعلّمِ" هو حديث مرفوع أيضًا، أَوْرده ابن أبي عاصم والطبرانيّ من حديث معاوية أَيضًا بِلفظِ: «يا أَيها الناس تعلّموا، إِنما العِلم بِالتّعلّمِ، والفِقه بِالتَّفَقُّهِ، ومَن يُرد الله بِه خَيرًا يُفَقِّههُ فِي الدِّين» إِسْنَاده حَسَن، إِلاَّ أَنَّ فِيهِ مُبْهَمًا اُعْتُضِدَ بِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْه آخَر، وَرَوَى الْبَزَّار نَحْوه مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيّ مَرْفُوعًا. وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء وَغَيْره. فَلاَ يغترّ بِقَوْلِِ مَنْ جَعَلَهُ مِن كلام الْبُخَارِيّ. والمعنى ليس العِلم الْمعتبَر إِلاّ المأخُوذ من الأنبِياء وورثتهم علَى سبِيل التّعلّم».
وقال بدر الدين العيني الحنفي (رحمه الله تعالى) بعد ذكر كلام الحافظ ابن حجر السابق: «فيفهم منه أن العلم لا يطلق إلا على علم الشريعة؛ ولهذا لو أوصى رجل للعلماء لا ينصرف إلا على أصحاب الحديث والتفسير والفقه». انظر انظر"فتح الباري بشرح صحيح البخاري"، للحافظ ابن حجر، كِتَابِ الْعِلْم، بَاب الْعِلْم قَبْل الْقَوْل وَالْعَمَل، و"عمدة القاري شرح صحيح البخاري"، لبدر الدين العيني الحنفي، (2/483) من الباب نفسه.
2- وأما الآية التي يستدلون بها في تبرير غفلتهم فهي قوله تعالى: «ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوفِهِ» سورة الأحزاب، الآية (4).
قال الإمام القرطبي (رحمه الله تعالى): «قال مجاهد: نزلت في رجل من قريش كان يدعى ذا القلبين من دهائه، وكان يقول: إن لي في جوفي قلبين، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد. قال: وكان من فهر.
وقال الواحدي والقشيري وغيرهما: نزلت في جميل بن معمر الفهري، وكان رجلا حافظا لما يسمع. فقالت قريش: ما يحفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان. وكان يقول: لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد.
فلما هزم المشركون يوم بدر ومعهم جميل بن معمر، رآه أبو سفيان في العير وهو معلق إحدى نعليه في يده والأخرى في رجله، فقال أبو سفيان: ما حال الناس؟ قال انهزموا. قال: فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال: ما شعرت إلا أنهما في رجلي، فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده...
وقال ابن عباس: سببها أن بعض المنافقين قال: إن محمدا له قلبان، لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه الأول، فقالوا ذلك عنه فأكذبهم الله عز وجل. وقيل: نزلت في عبد الله بن خطل.
وقال الزهري وابن حبان: نزل ذلك تمثيلا في زيد بن حارثة لما تبناه النبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: كما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا يكون ولد واحد لرجلين... انظر "تفسير القرطبي"، (14/116 - 117)، و"تفسير ابن كثير"، (6/376 – 377).
نعود إلى موضوعنا. فأنت ترى –أخي الكريم– أن الآية لم تنف فهمَ شيئين وثلاثة في آن واحد، بل سبب النزول يدل على ذلك، لأنه لم تسمّ قريش هذا الرجل بذي القلبين إلا لشدة ذكائه وفهمه الأمور فوق تصوّرهم، حتى ظنوا أن له قلبين، ولم يكن عندهم دليل من الوحي لنفي ذلك، ولم يكن عندهم وسائل طبّيّة لكشف ذلك، ولكنهم كشفوا خطأهم بعد غزوة بدر الكبرى، وذلك بالأدلة العقلية.
فأنى لهؤلاء الذين يعجزون عن جمع معلومتين من مصدرين مختلفين في آن واحد أن يستدلوا بالآية التي هي عليهم، وليست لهم.
أضرب لك –أخي الكريم– مثلاً واقعيّا يقرّب لك فهم ما أقصده، هل سبق لك أن أملى عليك المدرس جملة طويلة؟ كيف كنت تجمع بين كتابة القديم الذي أملى وأنت ما زلت في كتابته، وبين الجديد الذي يمليه؟!
الحقيقة هي أنك حفظت الجملة الأولى في جزء من ذاكرتك المتطوّرة، وبدأت في استخراجها وكتابتها، وفي الوقت نفسه بدأت تتلقى الكلمات الجديدة التي يلقيها المدرّس، وأنت لم تنته بعد من كتابة الجملة السابقة، ولكن لتحفظها في هذه الذاكرة المباركة أيضاً، وتعود إليها بعد إكمال كتابة الجملة الأولى... وهكذا. وكل ذلك بنظام دقيق دالّ على قدرة الله عزّ وجلّ.
هل توافقني الآن على ما قلت أو ما زلت تريد مزيداً من البيان؟
أعتقد أنك فهمت الآن، ولكن أكتب هذا التفصيل لغيرك الذي لا يفهم سريعاً، وأقول: هذه الذاكرة المباركة التي تحفظ فيها الجمل والكلمات لتعود إليها فيما بعد وتكتبها، هي قابلة للتطوير، وذلك بالتمرين على سرعة الكتابة، وجمع عدد أكبر من الكلمات في آن واحدٍ.
ولمعرفة ذلك واقعيّاً، اسأل نفسك، ما عدد الكلمات التي يمكنك تلقيها من المدرس وكتابتها في خمس ثوان مثلاً؟ 5؟ 10؟ كم؟ العدد الذي ستذكره ليس مقصوداً، ولكن المقصود أن تقارن بين ملكتك وقدرتك الحالية، وبين البطء الذي كنت عليه قبل أن تصبح فحلاً من فحول الإملاء. أعتقد أنك فهمت الآن، أو تريد المزيد؟
تعالَ معي: هل سبق لك أن قدت السيارة يوماً من الأيام وسقتها، وجاءك اتصال عبر هاتفك النقال (الجوّال)، وقمت بالردّ على الاتصال، ولم يمنعك ذلك من عملك؟ لا شك أن الجواب هو نعم إذا كنت من أصحاب السيّارات، وكنت من البلاد التي لا تمنع استخدام الجوال في أثناء القيادة، مع كون ذلك من علامات التخلف، لأن استخدام الجوّال في أثناء القيادة قد يسبّب الحوادث، وذلك لأن قدرات الناس مختلفة، لأن الذين لا يقدرون على الجمع بين شيئين في آن واحد لعله قد يسبّب لهم الحوادث في 15 % 100تقريباً، والمتوسّطين في 05 % 100 تقريباً، وأما أهل الحذق ففي 02 % 100أو أقل..
وإنما يمنع الشرطي من ذلك لأنه لا يعلم من أي الأصناف الثلاثة تكون أنت، ولو علم أنك من الذين يجمعون بين أمور في آن واحد، فلعله لم يوقفك...
علماً بأن الطريقة السليمة لاستخدام الهاتف في أثناء القيادة هي تركيب السمّاعة على الهاتف -كما يفعله قائد الطائرة (الملاّح)-؛ لئلا تلجأ إلى استخدام اليد في الردّ على المكالمات وتنشغل عن السيارة.
أضرب لك مثلاً آخر. هل تستطيع أن تخاصم شخصين في آن واحد؟ لا شك أن جوابك سيكون نَعَم إن كنت من الشجعان، ولكنّي سأفاجئك وأخبرك أن من الناس من يستطيع مخاصمة خمسة أشخاص في آن واحد، ويقضي على هذه الخمسة بكل سهولة! كيف؟! أي نعم. هذا الشخص قد تعلّم "تايكوندو" TAE KWON DO، أو الكونغ فو، أو أيكيدو، أو كوانكيدو، أو هو نينجا، تدرّب وصبر على التعب حتّى حصل على الحزام الأسود، فأصبح أسداً في صورة آدميّ، ترونه آدميّا وليس من بني آدم ولكن لا تشعرون.
الأسد معه سلاحه أينما كان، وهو مستعدّ على كل حال للدفاع عن نفسه أو القضاء على عدوّه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وكذلك هذا الأسد في صورة بني آدم!!
كيف أصبح هذا الآدمي أسداً؟ أليس بالتدريب (بالمران والتكرار)؟ فكذلك كل شيء ممكن، تزداد ملكة الإنسان فيه بإذن الله ثم بكثرة التدرّب والتمرين...
معذرة –أخي الكريم– على التطويل، فأنا أعلم أنك –إن شاء الله– لستَ من هؤلاء، وأنك من أهل الفطنة والمهارة، ولكني طوّلت عليك لأجمع لك عدداً من النقاط التي تمكّنك -بإذن الله- من التخلّص من وسوستهم، إذا اعترضوا عليك في طريقك إلى التجربة والبحث...
علماً بأن كل ما كتبه علماء غير الشريعة كلها نتائج للتجارب الناجحة.
فالدواء يجرّبونه على الحيوان، فإذا نجح جرّبوه على الفلسطني في سجون إسرائيل، أو على الإفريقي دون شعور منهم، وإذا نجح ذلك كله، استعمله الإنسان.
لعلك تقول: أليس الفلسطيني والأفريقي من بني آدم؟ فأقول بلى هم من بني آدم، ولكن قد عاملهم أهل حقوق الإنسان معاملة ذوي المنزلة بين البهيمة والإنسان، فإلى متى سنستيقظ نحن المسلمون، ونحن المسلمون الأفارقة من سباتنا العميق، ونقبل على الله، ونترك حبّ الذين قد عاملونا معاملة البهائم، ونترك جميع تقاليدهم التي هي باطلة، ونأخذ بعادات البلاد الإسلامية وتقاليدهم الحميدة، اللباس، والهيئة، والمظهر، وفي كل شيء؟!
أترضى أن تتشبّه بمن جعلك في منزلة البهائم؟! لا شك أن جوابك هو نعم إن كنت ممن يرى أن كل ما جاء به الغرب (بالمعجمة) مقدَّم على ما جاء به الإسلام والمسلمون، ويرى أن طلاب العلم الشرعي لا يستطيعون تحقيق شيء من أمور الدنيا، وأفاجئك حينئذ وأقول لك: إني من هؤلاء الذين تسمّيهم أنت بمغفّلين، وأتحدّاك أن تأتي بشيء لا أستطيع المجيء بأحسن منه، في جميع المجالات إن شاء الله تعالى ؛ لتتيقن أن العلم الشرعي لا يسبّب تخلّف أحد، وإنما المغفّل هو المغفّل سواء مع العلم الشرعي أو مع غيره.
والعجب من هؤلاء أنهم يسمّوننا –نحن طلاب العلم الشرعي– بمغفّلين، ويرون أنفسهم –الذين درسوا أمور الدنيا– متقدّمين، ومع ذلك فلم أر أحداً منهم من أهل بلادنا –مع كثرتهم- صنع ولو إبرة واحدة. أين تقدهم؟! فهل التلفظ بالكلمات الغريبة والتشدّق بها من لغات غربية هو التقدّم؟!
مع أن آباءنا الذين لم يدرسوا شيئا من أمور الدنيا، ولم ير بعضهم الطائرة بعينه فضلا عن السفر إلى بلاد الغرب كانوا -وما زالوا- يَعْمَلُونَ مَا يَشَاءُون مِنْ مَحَارِيبَ وبنادق، وسيوف، وأدوية، وموازين، وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ.
بل لم نر من هؤلاء أبناء الغرب (بالمعجمة) في بلادنا –إلا من رحم ربّك، ومنهم الشرطي الضابط الكبير المعروف أبو بكر سيدبي من أبناء واسولون المدعوّ (أبو سيدبي) الذي كان في مدينة "كانكان"، والذي لا يقبل الرشوة، ولا يأكل من أموالهم المغصوبة من المواطنين. اللهم ارفع درجته في الدنيا والآخرة، وبارك له في ماله وولده، واجعل له لسان صدق في الآخرين. ولا أعرف من يفعل ذلك غير أبو سيدبي مع كثرتهم- إلا موظَّفا يسرق أموال الدولة، وينشر الفحشاء والمنكر في بلادنا، أو بطّالا عن العمل يسعى للتعدي على الناس والاستيلاء على أموالهم بأساليب المكر والخديعة، أو لصّا يقطع الطريق، أو سارقا يسرق أموال الناس، أو سفيراً يأكل أموال الطلاب والمواطنين بألوان من الكذب والخديعة، فيدعوا عليه، ويهلك بعد حين، ويكون له لسان كذب في العالمين. أهذا هو التقدم المزعوم؟! بئس ما يدّعون.
من أجل تلك الدعوات قد سلّط الله عليهم أمراضاً خطيرة، أصبحوا بها سجناء في صورة الأحرار، لا يأكلون كثيراً مما يحبون خشية الموت بأمراضهم المخيفة، ولا يشربون كثيراً مما نشرب كذلك، نكالا من الله والله عزيز حكيم...
ونحن –طلاب العلم الشرعي– نقدم لشعبنا ما يحتاجون:
1- نؤمّهم في صلواتهم التي لا يدخلون الجنة إلا بها
2- ونصلّى عليهم إذا هم ماتوا.
3- ونعقد لهم نكاحهم، وندعو لهم، ونتولّى جميع أمورهم وفقا لشريعة الإسلام.
4- ونربّيهم على ترك الزنا التي فيها ضياع أنسابهم، وفيها كثرة الأمراض والمهالك.
5- ونربيهم على ترك سفك الدماء، الذي بتركه يكونون آمنين.
6- ونربّيهم على ترك السرقة وترك قطع الطرق، وترك كل خلق ذميم.
7- ونربّيهم على برّ الوالدين وطاعتهما في طاعة الله ورسوله.
8- ونربّيهم على الصدق والأمانة، وترك الغشّ والرشوة والكذب والخيانة.
وبذلك يكون المجتمع مجتمعا مباركاً يعرف كل أفراده ما له وما عليه، ويكتفي كل موظّف براتبه مثل هذا الشرطي المبارك (أبو سيدبي)، ولا يسعى لسرقة أموال الدولة، وأكل أموال طلاب العلم والمواطنين بألوان من الكذب والخديعة.
فأينا أحق –إذَن– باسم المتخلّف؟! أليسوا هم (السراق، والخائنون والأكّالون للسحت) أليسوا أولى بهذه التسمية؟ بلى.
رحم الله الملك العادل الشيخ أحمد سيكو توري، رحمة واسعة؛ -الرجل الذي تحدّى الغرب (بالمعجمة)، حتى عملوا له انقلاباً فلم يفلحوا- فإنه كان لهؤلاء السرّاق بالمرصاد، ولهؤلاء الخونة والمختلسين الأكّالين للسحت معالجاً.
آثر الفقر على الاستسلام للغرب (بالمعجمة)، فلم يبع بلده منهم، بل تركهم، ووالى العرب وغيرهم من المسلمين، فآتاه الله ثواب الدنيا، ونرجو له حسن ثواب الآخرة. وانتشر الأمن في وقته، وقل سفك الدماء وقطع الطرق في عهده. فأحبه ملوك السعودية (رحمهم الله تعالى) وغيرهم من ملوك العرب (بالمهملة)، وصلّي عليه صلاة الغائب في المسجد النبوي، وبنوا لنا بذلك مسجد الملك فيصل (رحمه الله تعالى) في عاصمتنا "كوناكري". اللهم اغفر له وارحمه. اللهم ارفع درجته في علّيّين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، اللهم اسفح له في قبره ونوّر له فيه. وصلّ اللهم وسلّم على رسولك محمد وعلى آله وصحبه.
إنه لا يحزنني قول هؤلاء السفهاء فينا، لأنه "لا لوم على المجنون، وإنما اللوم على من يجادل المجنون"، ولكن يحزنني استسلام بعضنا لهؤلاء، والاعتراف بالتخلف، فيصبح بعض من حصل على درجة عالية من العلم منا يذل نفسه ويذل غيره لهؤلاء الذين هم دوننا في الدرجة العلمية، فتراه يذل نفسه أمام هؤلاء، ويسمّيهم كباراً، وهم يسمّونه طالباً أو معلّماً، بل وقد يناديه بعضهم بقوله: يا أستاذ من فضلك اشتر لي عبوة من الماء من الدكّان! –لا من حَيثِيّة كبر سنه، ولكن على سبيل التعالي-!!
وتراه يذل نفسه ويذل غيره أمام هؤلاء، وينسى أنه هو سيّدهم، لأنه عالم بالشريعة التي بها يفضل المرء على غيره... ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
معذرة –أخي الكريم– فأنا أمزح معك مزاحا مشتملا على الحق: أما قولي: «ترونه آدميّا وليس من بني آدم ولكن لا تشعرون» فأقصد أنه ليس من أولاد أبينا آدم المعروفين الذين منهم قابيل وهابيل ؛ ولذا فإني قد استخدمت لفظ الآدمي عند الإثبات، ولفظ بني آدم عند النفي، وذلك من التورية. فتنبه حفظك الله من الكذب وإن كنتَ مازحاً. لا تكذب أبداً، فالصدق أمانة، والكذب خيانة كما قال أبو بكر الصدّيق (رضي الله عنه) في خطبته الشهيرة.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا». متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ». رواه أبو داود من حديث أبي أمامة (رضي الله تعالى عنه).
وأعلم أنك –إن شاء الله– لا تكون ممن يحب أن يتشبّه بالذين عاملونا معاملة البهائم، ونزّلونا منزلة البهائم، فجرّبوا علينا أدويتهم، قبل أن يستعملها بنوا آدم المعتبرون عندهم!
أخي الكريم هذه كلمات من فؤادي إلى قلبك، فخذ بأحسنها، واستقم ولا تتبع سبيل المجرمين، تفز برضا الله تعالى، وجناته التي أعدّت للمتقين.
ربّا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وصلّى الله على رسوله محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربّ العالمين.
آخر تعديل:
مساء الجمعة، 27 رجب، 1428هـ
الموافق:10/08/2007م