السبت، 22 يونيو 2013

نقد أحاديث التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
أما بعد:

فهذا نقد الأحاديث التي استدل بها بعض الإخوة في جواز التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته. وفّقني الله لما يحب ويرضى، وجعل عملي خالصا لوجهه.


تجدون الملف منسَّقا –بإذن الله عز وجل- على هذا الرابط:
https://skydrive.live.com/?cid=a71c9794751c79fe#cid=A71C9794751C79FE&id=A71C9794751C79FE!23393

وهذا رابط آخر:
https://www.dropbox.com/s/3ozusgxm09uybir/%D9%86%D9%82%D8%AF%20%D8%A3%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%AB%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%B3%D9%84%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A.docx


وأرجو ممن عنده ملحوظة أو إضافة، أن لا يبخل بها علينا.
  
قال الأخ عدنان محمد عيسى:
1-                  الإمام ابن كثير أورد في البداية والنهاية: أن شعار المسلمين في معركة اليمامة (وا محمداه).

قال الراجي عفوَ ربِّه أبو بكر جالو –وفّقه الله-:  هذه الرواية أسندها الإمام الطَّبَري في التاريخ.
قال الإمام الطَّبَري في "التاريخ"، (3/ 293): «كتب إليّ السَّري([1])، عن شعيب([2])، عن سيف([3])، عن الضحاك بن يربوع، عن أبيه، عن رجل من بني سحيم، قد شهدها مع خالد، قال: لما اشتدّ القتال- وكانت يومئذ سجالا إنما تكون مرة على المسلمين ومرة على الكافرين- فقال خالد: أيها الناس امتازوا لنعلم بلاء كل حيّ، ولنعلم من أين نُؤتَى! فامتاز أهل القرى والبوادي، وامتازت القبائل من أهل البادية وأهل الحاضر ... ثم برز خالد، حتى إذا كان أمام الصف دعا إلى البراز وانتمى، وقال: أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد! ونادى بشعارهم يومئذ، وكان شعارهم يومئذ: يا محمداه! ...».


وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء والمجاهيل، وإليك بيان ذلك:
1-   الرجل السحيمي الراوي عن خالد بن الوليد مجهولٌ؛ فالمبهَم كمجهول العين حتى يتبيّنَ عينه، ومجهول العين ضعيف، كما هو معلوم في قواعد الجرح والتعديل. وقد قال أكرم بن محمد زيادة الفالوجي، في كتابه "المعجم الصغير لرواة الإمام ابن جرير الطبري"، (2/ 889، الترجمة 7046): «رجلٌ من بني سحيم، من الخامسة، فما فوقها، لم أعرفه، ولم أعرف الراوي عنه والد الضحاك بن يربوع أيضًا».
2-   والد الضحاك بن يربوع، لم أقف على ترجمته. وقد قال أكرم بن محمد زيادة الفالوجي، في كتابه "المعجم الصغير لرواة الإمام ابن جرير الطبري"، (2/ 778، الترجمة 6188): «والد الضحاك بن يربوع، من السادسة، فما فوقها، لم أعرفه، ولم أجد له ترجمة».
3-   الضحاك بن يربوع: قال الذهبي في ميزان الاعتدال، (2/ 327، الترجمة 3946): «قال الأزدي: حديثه ليس بالقائم». وأقرّه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان، (3/ 201، الترجمة 906).
4-   سيف بن عمر التميمي، ويقال: الضّبي، ويقال غير ذلك، الكوفي، صاحب كتاب الردة. قال ابن نُمير: «كان سيف يضع الحديث، وقد اتُّهم بالزندقة ». وكذا قال ابن حبان. وقال عباس، عن يحيى بن معين: «ضعيف». وروى مُطيَّن، عن يحيى بن معين: «فلس خير منه». وقال أبو حاتم الرازي: «متروك»، وكذا قال الدارَقطني. وقال أبو داود: «ليس بشيء». وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر. وقال الحاكم: «اتهم بالزندقة، وهو ساقط في رواية الحديث». وقال الذهبي: «هو كالواقدي. كان أخباريا عارفا». وقال الحافظ ابن حجر: «ضعيف الحديث، عمدة في التاريخ. أفحش ابن حبان القول فيه. من الثامنة، مات في زمن الرشيد». انظر: المجروحين، لابن حبان، (1/ 345-346، الترجمة 443)، الضعفاء، لأبي نعيم، (ص: 91، الترجمة 95)، سؤالات البرقاني للدارقطني، ت القشقري، (ص: 34، الترجمة 200)، ميزان الاعتدال، (2/ 255-256، الترجمة 3637)، تاريخ الإسلام، للذهبي، ت بشار، (4/ 641، الترجمة 127)، تقريب التهذيب، (ص: 428).
5-   شعيب بن إبراهيم الكوفي، راوية كتب سيف عنه: قال ابن عدي: «له أحاديث وأخبار، وهو ليس بذلك المعروف، ومقدار ما يروي من الحديث والأخبار ليست بالكثيرة، وفيه بعض النكرة لأن في أخباره وأحاديثه ما فيه تحامل على السلف». وقال الذهبي: «فيه جهالة». وأقرّه الحافظ ابن حجر. انظر: الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي، (5/ 7، الترجمة 885)، المغني في الضعفاء، للذهبي، (1/ 298، الترجمة 2769)، ميزان الاعتدال، (2/ 275، الترجمة 3704)، لسان الميزان، ت أبي غدة، (4/ 247، الترجمة 3797).

فمثل هذا السند المظلِم لا ينتهض لاعتضاد غيره، فضلا عن مخالفة الأحاديث الثابتة.

ثم قال الأخ عدنان محمد عيسى:
2-                  وأورد في تفسيره قصة العتبي الشهيرة الذي حذفوها عندما اقتصروا تفسيره.

قال أبو بكر جالو –عفا الله عنه-: قال الحافظ ابن كثير([4]) –رحمه الله تعالى-: «وقد ذكر جماعة منهم: الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه "الشامل" الحكاية المشهورة عن العتبي، قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا (64)} [النساء: 64] وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع([5]) أعظمه   ***   فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه   ***    فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم فقال: يا عتبى، الحق الأعرابي فبشّره أن الله قد غفر له»([6]).
وليس في هذه القصة إلا المنامات، ولا عبرة بالمنامات في أحكام ديننا؛ ولا أدل على ذلك من خلوّ كتب أصول الفقه وكتب علوم الحديث من الاعتماد عليها في التصحيح والتضعيف، والحِل والحُرمة والإباحة، كما أن المنامات ليست دليلا لإثبات تهمة في القضاء أو نفيها... فعُلم من ذلك أن وجودها –في مثل هذا- كعدمها.

ثم قال الأخ عدنان محمد عيسى:
3-                  والإمام الدارمي أورد لنا بسند صحيح قصة توسل الناس بقبر النبي للاستسقاء فيما عرف بعام الفتق.

قال أبو بكر جالو –عفا الله عنه-: قال الإمام الدارمي: حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري، حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله([7])، قال: «قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة فقالت انظروا قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فاجعلوا منه كووا إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف. قال ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق»([8]).
وهذا أثر لا يخفى حاله على العُميان؛ فهو أثرٌ ضعيف، وإليك تفصيل ذلك:
أ-   شيخ الدارمي أبو النعمان، هو محمد بن الفضل السَّدُوسي، البصري، لقبه عارم: ثقة ثبت، لكنه تغير في آخر عمره.
وقد ذكر العراقي وغيره بعضَ مَن روى عنه قبل الاختلاط وبعده، ولم يذكروا منهم الدارمي صاحب السنن (أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي).
ومعلوم في قواعد الجرح والتعديل أن رواية المختلط مردودة حتى يتبين أنها قبل الاختلاط. وعلى هذا، فرواية الدارمي هذه عن محمد بن الفضل السَّدُوسي ضعيفة مردودة.    انظر: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، (4/ 7-9، الترجمة 8057)، المختلطين، لأبي سعيد العلائي، (ص: 116، الترجمة 41)، التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، للعراقي، (ص: 461-461)، الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط، لبرهان الدين الحلبي، (ص: 335، الترجمة 103)، هدي الساري مقدمة فتح الباري، (ص: 441)، تقريب التهذيب، (ص: 889).
ب-   سعيد بن زيد، هو أخو حمّاد بن زيد بن دِرهَم: وهو ضعيف. قال علي، عن يحيى بن سعيد: ضعيف. وقال السعدي: ليس بحجة يضعفون حديثه. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي. وقال أحمد: ليس به بأس. كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه. وقال الحافظ ابن حجر: صدوق له أوهام. انظر: ميزان الاعتدال، (2/ 138، الترجمة 3185)، تقريب التهذيب، (ص: 378).
ج-   عمرو بن مالك النُّكري -بضم النون-: ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه يخطئ ويغرب. وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. انظر: الثقات لابن حبان (7/ 228، الترجمة 9802)، وفي (8/ 487، الترجمة 14585)، تهذيب التهذيب، لابن حجر، (8/ 96، الترجمة 154)، تقريب التهذيب، (ص: 744).

فأنت ترى –أيها القارئ المنصف- أن هذا الأثر ليس صحيحا كما زعم الأخ عدنان محمد عيسى، بل هو ضعيف؛ فلا يُغترّ بدعوى التصحيح ممن لا علم لهم بالحديث؛ فعلوم الحديث بحر ذو لجّة عميقة.

إضافةً إلى ما سبق من ضعف هذا الأثر سندًا؛ فهو منكر متنًا؛ فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في "الرد على البكري"، (1/ 163-164): «وما روي عن عائشة -رضي الله عنها- من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح ولا يثبت إسناده، وإنما نقل ذلك من هو معروف بالكذب. ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان بعضه باقيا كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعضه مسقوف وبعضه مكشوف وكانت الشمس تنزل فيه كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء بعد ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان نائبه على المدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز وكانت حجر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- شرقي المسجد وقبليه فأمره أن يشتريها من ملاكها ورثة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاشتراها وأدخلها في المسجد فزاد في قبلي المسجد وشرقيه ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد وإلا فهي قبل ذلك كانت خارجة عن المسجد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد موته، ثم إنه بني حول حجرة عائشة التي فيها القبر جدار عال وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف. وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بيّن».

ثم قال الأخ عدنان محمد عيسى:
4-                  وفي الطبراني الصغير الذي أرويه بالسند المتصل إلى مصنفه حديث عثمان بن حنيف وتوسله بالنبي (ص) وغيرها كثير.
قال أبو بكر جالو –عفا الله عنه-: بناء على قول الأخ: «وغيرها كثير»، أرجو منهم سرد حججهم لننقدها نقدا، فإن كانت صحيحة أخذنا بها، وإذا كانت واهية نسفناها نسفًا؛ فينبغي لطالب العلم أن يبتعد عن التعصب؛ فلا يدخل في الشيء إلا بالدليل الصحيح. أسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.
وهذا نقد الحديث المشار إليه (حديث عثمان بن حُنَيف في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم)، وفّقني الله لما يحب ويرضى، وجعل عملي خالصا لوجهه.
وقد جعلت المتن الوارد عند الإمام الطبراني في المعجم الصغير أصلا أنطلق منه، لكونه عمدة الأخ عدنان محمد عيسى في هذا الشأن؛ فقد ذكر أنّ له إلى مصنّفه سندا متصلا؛ ولاشتماله –لو ثبت- على زيادة مهمة في التوسّل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته.
فأقول -مستعينا بالله-: قال الإمام الطَّبَراني –رحمه الله تعالى- في المعجم الصغير، (1/ 306، ح508): «حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المقري المصري التميمي، حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثنا عبد الله بن وهب، عن شبيب بن سعيد المكي، عن رَوْح بن القاسم، عن أبي جعفر الخَطْمي المدني، عن أبي أُمامة بن سهل بن حُنَيف، عن عمه عثمان بن حُنْيف: «أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمانَ بن حُنَيف، فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حُنَيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم، إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك عز وجل فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل، فصنع ما قال له عثمان، ثم أتى باب عثمان، فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان بن عفان، فأجلسه معه على الطنفسة، وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة، فأتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف، فقال: له جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلي حتى كلمتَه فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله، ما كلّمته، ولكن شهدتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأتاه ضرير، فشكا عليه ذهاب بصره، فقال: له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «أفتصبر؟»، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد، وقد شقّ عليّ، فقال له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «ائت الميضأة، فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات». قال عثمان بن حنيف: فوالله، ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط».
نقد الحديث:
قال الراجي عفوَ ربِّه أبو بكر جالو –عفا الله عنه-:
هذا الحديث يرويه عثمان بن حُنَيف؛
وعنه عُمارة بن خُزَيمَة بن ثابت، وأبو أُمامة بن سهل بن حُنَيْف الأنصاري.
ويرويه عنهما أبو جعفر الخَطْمي (عُمَير بن يزيد بن عُمير الأنصاري)، واختُلِف عنه:
أ-  فرواه عنه شُعبة بن الحَجّاج الثّقَفي([9])، وحمّاد بن سلَمة([10])، عن عُمارة بن خُزَيمة بن ثابت، عن عثمان بن حُنَيف، بألفاظ متقاربة: «أن رجلا ضريرًا أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا نبي الله، ادع الله أن يعافيني، فقال: إن شئتَ أخَّرت ذلك، فهو أفضل لآخرتك، وإن شئتَ دعوت لك. قال: لا بل ادع الله لي. " فأمره أن يتوضأ، وأن يصلي ركعتين، وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد   -صلى الله عليه وسلم- نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتُقْضَى، وتشفّعني فيه، وتشفّعه فيّ. -قال: فكان يقول هذا مرارا. ثم قال بعد: أحسب أن فيها: أن تشفعني فيه-. قال: ففعل الرجل، فبرأ». واللفظ لأحمد. وليس في شيء منها ذكر قصة الرجل الذي كان يختلف إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في حاجة له.
ب- ورواه عنه هشام الدَّسْتَوائي([11])، ورَوْح بن القاسم، عن أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف، عن عمه عثمان بن حُنَيف، واختلفا في متن الحديث.
1-    أما هشام الدَّسْتَوائي فقد رواه، كما رواه شعبة وحماد (دون ذكر قصة الرجل الذي كان يختلف إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في حاجة له) أيضا.
2-   وأما روح بن القاسم، فقد اختلف الرواة عنه:
أ-   فرواه عنه عَوْن بن عُمارة -وهو ضعيف-، كما في رواية شعبة وحماد وهشام (دون ذكر قصة الرجل الذي كان يختلف إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في حاجة له) أيضا([12]).
ب-   ورواه عنه شَبِيب بن سعيد الحَبَطي-بفتح المهملة والموحدة- أبو سعيد البصري، واختُلِف عنه:
1-   فرواه عنه ابنُه أحمد، واختلف الرواة عنه على وجهين:
أ-    فرواه عنه العباس بن فرَج الرِّياشي [ثقة]، والحسين بن يحيى الثوري، عند ابن السني، في عمل اليوم والليلة، (ص: 581)، ومحمد بن علي بن يزيد الصائغ [ثقة]، عند البيهقي في دلائل النبوة، (6/ 167)، كما في رواية الجماعة (دون ذكر قصة الرجل الذي كان يختلف إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في حاجة له)([13])؛
ب-   ورواه عنه يعقوب بن سفيان [ثقة حافظ]، فزاد قصة الرجل الذي كان يختلف إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في حاجة له([14]).
2-   ورواه عن شبيب بن سعيد ابنه إسماعيل، وعبد الله بن وهب المصري، فذكرا هذه الزيادة أيضًا: «أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه...»([15]).
الصواب رواية الجماعة (شعبة، وحماد، وهشام، ورواية عَوْن بن عُمارة -عن روح بن القاسم، لموافقتها رواية جماعة الثقات-).
وأما زيادة شبيب بن سعيد الحَبَطي، فهي مردودة؛ لمخالفته مَن هم أولى منه([16]).
فشبيب صدوق، وقد خالف الثقات (شُعبة –أمير المؤمنين في الحديث-، وحماد بن سلمة –ثقة-، وهشام الدَّستَوائي –ثقة ثبت وقد رمي بالقدر-)([17]).
قال ابن عدي -في ترجمة شبيب بن سعيد-: «حدّث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير... وكأنّ شبيب إذا روى عنه ابنه أحمد بن شبيب نسخة يُونُس، عنِ الزُّهْريّ -إذ هي أحاديث مستقيمة- ليس هو شبيب بن سَعِيد الذي يحدث عنه ابن وهب بالمناكير الذي يرويها عنه. ولعل شبيب بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويهم. وأرجو أن لا يتعمد شبيب هذا الكذب». وقال ابن المديني: «ثقة، كان يختلف في تجارة إلى مصر، وكتابه صحيح، قد كتبته عن ابنه أحمد». وقال الحافظ ابن حجر: لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في هدي الساري مقدمة فتح الباري، (ص: 407)، أنه قد أخرج له البخاري من رواية ابنه أحمد عن يونس، ولم يخرج من روايته عن غير يونس ولا من رواية ابن وهب عنه شيئا.
وهذا يدل على التمييز بين ما رواه عنه ابنه أحمد عن يونس، وبين ما رواه عنه عن غير يونس. انظر: الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي، (5/ 47-49، الترجمة 891)، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، (2/ 262، الترجمة 3658)، تهذيب التهذيب، لابن حجر، (4/ 306-307، الترجمة 534)، تقريب التهذيب، له، (ص: 430، الترجمة 2739)، هدي الساري مقدمة فتح الباري، له، (ص: 407).

وبهذا يتبيّن لك –أيها القارئ المنصف- نكارة هذه الرواية التي زادت قصة فيها التوسّل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته.
إضافة إلى نكارة إسناد هذه الزيادة، فمتنها منكَر؛ فقد عُرف عثمان بن عفان     –رضي الله عنه- باللين والرفق بالناس، وهذه الزيادة تطعن فيه بأنّ هذا الرجل «كان يختلف إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في حاجةٍ له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته...»، وهذا الخلق الذميم لا يليق بآحاد الصحابة فضلاً عن الخليفة الراشد، ذي النورَين، رضي الله عنه. فتنبّه أخي الكريم، حفظك الله، وهداك الصراط المستقيم.
الخلاصة:
1-                  الثابت في الحديث هو التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته؛ ولم يثبت التوسل به بعد وفاته.
2-                  التوسل الوارد في الحديث هو التوسل بدعائه -صلى الله عليه وسلم-، لا بذاته، ولا بجاهه. ويدل على ذلك جليًّا هذا الجزء من الحديث: «... وإن شئتَ دعوتُ لك. قال: لا بل ادع الله لي». 
وقول الصحابي في دعائه: «وتشفّعني فيه – أي: تتقبّل دعائي له بأن تتقبّل دعاءه فيّ-، وتشفّعه فيّ – أي: وتتقبّل شفاعته فيّ (وهي دعاؤه صلى الله عليه وسلم)-».
3-                  أن هذه الزيادة منكَرة سندا ومتنا؛ فقد عُرف عثمان بن عفان –رضي الله عنه- باللين والرفق بالناس، وهذه الزيادة تطعن فيه بأنّ هذا الرجل كان يختلف إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في حاجةٍ له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته...»، وهذا الخلق الذميم لا يليق بآحاد الصحابة فضلاً عن الخليفة الراشد، ذي النورَين الذي تستحيي منه الملائكة، رضي الله عنه.

لمزيد من التفصيل في تخريج الحديث، راجع: علل الحديث، لابن أبي حاتم (5/ 383، الرقم 2064)، نتائج الأفكار، لابن حجر، (5/ 149-155)، قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، (1/ 201)، فما بعدها، التوسل أنواعه وأحكامه، (ص: 81-89).
والكتابان الأخيران متخصّصان في أحكام التوسل.

هذا، والله تعالى أعلم. وبالله التوفيق.

وصلّى الله وسلّم على رسوله محمد وعلى آله وأصحابه.
والحمد لله ربّ العالمين.

بقلم الطالب أبو بكر جالو، في مرحلة الدكتوراه، بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية، قسم علوم الحديث، في الجامعة الإسلامية، بالمدينة النبوية.


وصلّى الله وسلّم على رسوله محمد وعلى آله وأصحابه.
والحمد لله ربّ العالمين.


([1]) السري بن يحيى بن السري، أبو عبيدة الكوفي، ابن أخي هنّاد بن السري.
([2]) شعيب بن إبراهيم الرِّفاعي الكوفي.
([3]) سيف بن عمر التميمي.
([4]) تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 347)، عند تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا (64)} [النساء: 64].
([5]) في أ: «في القاع».
([6]) قال النووي في المجموع شرح المهذب (8/ 274): «... ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى. ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال: «كنت جالسا عند قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء أعرابي...».
([7]) ثقة يرسل كثيرا.
([8]) سنن الدارمي- ت زمرلي (1/ 31، ح93).

([9]) طريق شعبة أخرجها:
الترمذي (279هـ) في السنن، ت شاكر (5/ 569، ح3578)، وابن ماجه (275هـ) في السنن، (1/ 441، ح1385)، والإمام أحمد (241هـ) في المسند، (28/ 478، ح17240)، وعبدُ بن حُمَيد (ت 249هـ) في المسند -كما في المنتخب من مسند عبد بن حميد- ت صبحي السامرائي، (ص: 147، ح379)، والنسائي (303 هـ) في السنن الكبرى، (9/ 244، ح10420)، وابن خزيمة (311 هـ) –وصحّحه- (2/ 225، ح1219)، وابن قانع (351هـ) في معجم الصحابة، (2/ 257)، والطبراني (360هـ) في الدعوات الكبير، (1/ 325، ح235)، والحاكم (405هـ) في المستدرك –وصحّحه على شرط الشيخين- (1/ 458، 700، ح1180، 1909)، وأبو نعيم (430هـ) في معرفة الصحابة، (4/ 1958-1959، ح4926، 4927)، والبيهقي (458هـ) في دلائل النبوة، (6/ 166).
([10]) طريق حماد بن سلمة أخرجها النسائي (303هـ) في السنن الكبرى، (9/ 244، ح10419)، وذكرها البيهقي (458هـ) في دلائل النبوة، (6/ 167).
      وقد خالف حمادٌ شعبةَ في متن الحديث، فزاد زيادة – ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة"، (1/ 213)، وعزاها إلى ابن أبي خيثمة في التاريخ- «وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك»، وهي زيادة مردودة لمخالفة حماد مَن هو أوثق منه، وهو شعبة، كما هو معلوم في شروط قبول زيادة الثقة، في علوم الحديث. قال الحافظ ابن حجر في نزهة النظر، ت الرحيلي، (ص: 82): «وزيادة راويهما، أي: الصحيح والحسن، مقبولة، ما لم تقع منافية لرواية مَن هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة؛ لأن الزيادة:
1 - إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها؛ فهذه تقبل مطلقا؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره.
2 - وإما أن تكون منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى؛ فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها؛ فيقبل الراجح ويرد المرجوح».
([11]) طريق هشام الدَّسْتَوائي أخرجها النسائي (303هـ) في السنن الكبرى أيضا، (9/ 245، ح10421).
([12]) طريق عون بن عمارة، عن رَوْحِ بن الْقَاسِمِ أخرجها الحاكم (405هـ) في المستدرك، (1/ 707، ح1929)، وأبو نعيم (430هـ) في معرفة الصحابة، (4/ 1959، ح4929).
([13]) هذا اللفظ عن أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي، عن أبيه، أخرجه ابن السني (364 هـ) في عمل اليوم والليلة، (ص: 581، ح628)، والحاكم (405هـ) في المستدرك، (1/ 707، ح1930)، والبيهقي (458هـ) في دلائل النبوة، (6/ 167).
([14]) هذا اللفظ عن أحمد شبيب بن سعيد الحبطي، عن أبيه، أخرجه البيهقي (458هـ) في دلائل النبوة، (6/ 168).
([15])  زيادة أحمد وإسماعيل ابني شبيب بن سعيد الحبطي (المنكَرة)، أخرجها البيهقي في دلائل النبوة، (6/ 168).
وزيادة عبد الله بن وهب (المنكَرة)، عن شبيب بن سعيد الحبطي، أخرجها الطبراني (360هـ) في المعجم الكبير، (9/ 30)، وفي المعجم الصغير، (1/ 306، ح508)، وفي الدعاء، (ص: 320، ح1050)، وأبو نعيم (430هـ) في معرفة الصحابة، (4/ 1959، ح4928)، والبيهقي في دلائل النبوة، (6/ 168).
([16]) تقدّم في حاشية الصفحة (8)، أن من شروط قبول زيادة الثقة عدم مخالفة الثقة لمن هو أولى منه.
([17]) انظر تراجمهم في تقريب التهذيب، لابن حجر، وأصوله.


وصلّى الله وسلّم على رسوله محمد وعلى آله وأصحابه.
والحمد لله ربّ العالمين.